فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
الفاء هنا للتَعْقِيب، يعني: أنَّ الإعْرَاض عن الآيات أعْقَبَهُ التَّكْذِيبُ.
وقال الزمخشري: {فَقَدْ كَذَّبوا} مردودٌ على كلام محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها.
وقال أبو حيان: ولا ضرورة تدعو إلى في انتظام الكلام وقوله: {بالحق} من إقامة الظاهر مقام المُضْمَرِ، إذ الأصل: فقد كذبوا بها أي: بالآية.
قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ}.
الأنباء جمع نبأ وهو ما يعظم وقعه من الأخبار، وفي الكلام حَذْفٌ، أي: يأتيهم مَضْمونُ الأنباء، و{به} متعلّق بخبر {كانوا}.
و{لمّا} حرف وجوب أو ظرف زمان، والعامل فيه {كذبوا}.
و{ما} يجوز أن تكون موصولةٌ اسميةً، والضميرُ في {به} عائد عليها، ويجوز أن تكون مصدرية.
قال ابن عطيّة: أي: أنباء كونهم مستهزئين، وعلى هذا فالضميرُ لا يعودُ عليها؛ لأنها حرفية؛ بل تعود على الحقِّ، وعند الأخفش يعود عليها؛ لأنها اسم عنده.
ومعنى الآية: وسوف يأتيهم أخبارُ اسْتِهْزَائهِمْ وجَزَاؤهُ، أي: سيعلمون عاقبة اسْتهْزَائِهِمْ إذا عُذِّبُوا، فقيل: يوم بدر وقيل: يوم القيامة. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (6):

قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أخبر بتكذيبهم على هذا الوجه وتوعدهم بتحتم تعذيبهم، أتبعه ما يجري مجرى الموعظة والنصيحة، فعجب من تماديهم مع ما علموا من إهلاك من كان أشد منهم قوة وأكثر جمعًا وجنى من سوابغ النعم بما لم يعتبروه فيه مع ما ضموه إلى تحقق أخبارهم من مشاهدة آثارهم وعجيب اصطناعهم في أبنيتهم وديارهم مستدلًا بذلك على تحقيق ما قبله من التهديد على الاستهزاء، فقال مقررًا منكرًا موبخًا معجبًا: {ألم يروا} ودل على كثرة المخبر عنهم تهويلًا للخبر بقوله: {كم أهلكنا}.
ولما كان المراد ناسًا معينين لم يستغرقوا زمن القبل، وهم أهل المكنة الزائدة كقوم نوح وهود وصالح، أدخل الجار فقال: {من قبلهم} وبيَّنَ {كم} بقوله: {من قرن} أي جماعة مقترنين في زمان واحد، وهم أهل كل مائة سنة- كما صححه القاموس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغلام: «عش قرنًا»، فعاش مائة.
هذا نهاية القرن، والأقرب أنه لا يتقدر، بل إذا انقضى أكثر أهل عصر قيل: انقضى القرن، ودل على ما شاهدوا من آثارهم بقوله: {مكناهم} أي ثبتناهم بتقوية الأسباب من البسطة في الأجسام والقوة في الأبدان والسعة في الأموال {في الأرض} أي بالقوة والصحة والفراغ ما لم نمكنكم، ومكنا لهم بالخصب والبسطة والسعة {ما لم نمكن} أي تمكينًا لم نجعله {لكم} أي نخصكم به، فالآية من الاحتباك أو شبهه، والالتفات من الغيبة إلى الخطاب لئلا يلتبس الحال، لأن ضمير الغائب يصلح لكل من المفضول والفاضل، ولا يُبقي اللبس التعبيرُ بالماضي في قوله: {وأرسلنا السماء} أي المطر تسمية للشيء باسم سببه أو السحاب {عليهم}.
ولما كان المراد المطر، كان التقدير: حال كونه {مدرارًا} أي ذا سيلان غزير متتابع لأنه صفة مبالغة من الدر، قالوا: ويستوي فيه المذكر والمؤنث.
ولما ذكر نفعهم بماء السماء، وكان غير دائم، أتبعه ماء الأرض لدوامه وملازمته للبساتين والرياض فقال: {وجعلنا الأنهار تجري} ولما كان عموم الماء بالأرض وبُعده مانعًا من تمام الانتفاع بها، أشار إلى قربه وعدم عموم الأرض به بالجار فقال: {من تحتهم} أي على وجه الأرض وأسكناه في أعماقها فصارت بحيث إذا حفرت نَبَعَ منها من الماء ما يجري منه نهر.
ولما كان من المعلوم أنه من الماء كل شيء حي، فكان من أظهر الأشياء أنه غرز نباتهم واخضرت سهولهم وجبالهم، فكثرت زروعهم وثمارهم، فاتسعت أحوالهم وكثرت أموالهم فتيسرت آمالهم، أعلم سبحانه أن ذلك ما كان إلاّ لهوانهم استدراجًا لهم بقوله مسببًا عن ذلك: {فأهلكناهم} أي بعظمتنا {بذنوبهم} أي التي كانت عن بطرهم النعمةَ ولم نبال بهم ولا أغنت عنهم نعمهم.
ولما كان الإنسان ربما أبقى على عبده أو صاحبه خوفًا من الاحتياج إلى مثله، بين أنه سبحانه غير محتاج إلى شيء فقال: {وأنشأنا} ولما كان سبحانه لم يجعل لأحد الخلد، أدخل الجار فقال: {من بعدهم} أي فيما كانوا فيه {قرنًا} ودل على أنه لم يُبق من المهلكين أحدًا، وأن هذا القرن الثاني لا يرجع إليهم بنسب بقوله: {آخرين} ولم ينقص ملكُنا شيئًا، فاحذروا أن نفعل بكم كما فعلنا بهم، وهذه الآية مثل آية الروم {أو لم يسيروا في الأرض} [الروم: 9]- الآية، فتمكينهم هو المراد بالشدة هناك، والتمكين لهم هو المراد بالعمارة، والإهلاكُ بالذنوب هو المراد بقوله: {فما كان الله ليظلمهم} [الروم: 9] و[التوبة: 70]- إلى آخر الآيتين. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الله تعالى لما منعهم عن ذلك الإعراض والتكذيب والاستهزاء بالتهديد والوعيد أتبعه بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة في هذا الباب فوعظهم بسائر القرون الماضية، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم.
فإن قيل: ما القرن؟ قلنا قال الواحدي: القرن القوم المقترنون في زمان من الدهر فالمدة التي يجتمع فيها قوم ثم يفترقون بالموت فهي قرن، لأن الذين يأتون بعدهم أقوام آخرون اقترنوا فهم قرن آخر، والدليل عليه قوله عليه السلام: «خير القرون قرني» واشتقاقه من الأقران، ولما كان أعمار الناس في الأكثر الستين والسبعين والثمانين لا جرم قال بعضهم: القرن هو الستون، وقال آخرون: هو السبعون، وقال قوم هو الثمانون والأقرب أنه غير مقدر بزمان معين لا يقع فيه زيادة ولا نقصان، بل المراد أهل كل عصر فإذا انقضى منهم الأكثر قيل قد انقضى القرن.
واعلم أن الله تعالى وصف القرون الماضية بثلاثة أنواع من الصفات:
الصفة الأولى: قوله: {مكناهم في الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} قال صاحب الكشاف مكن له في الأرض جعل له مكانًا ونحوه في أرض له ومنه قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ في الأرض} [الكهف: 84] {أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ} [القصص: 57] وأما مكنته في الأرض، فمعناه أثبته فيها ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} [الأحقاف: 26] ولتقارب المعنيين جمع الله بينهما في قوله: {مكناهم في الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} والمعنى لم نعط أهل مكة مثل ما أعطينا عادًا وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا.
والصفة الثانية: قوله: {وَأَرْسَلْنَا السماء عَلَيْهِم مِدْرَارًا} يريد الغيث والمطر، فالسماء معناه المطر ههنا، والمدرار الكثير الدر وأصله من قولهم در اللبن إذا أقبل على الحالب منه شيء كثير فالمدرار يصلح أن يكون من نعت السحاب، ويجوز أن يكون من نعت المطر يقال سحاب مدرار إذا تتابع أمطاره.
ومفعال يجيء في نعت يراد المبالغة فيه.
قال مقاتل {مِدْرَارًا} متتابعًا مرة بعد أخرى ويستوي في المدرار المذكر والمؤنث.
والصفة الثالثة: قوله: {وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ} والمراد منه كثرة البساتين.
واعلم أن المقصود من هذه الأوصاف أنهم وجدوا من منافع الدنيا أكثر مما وجده أهل مكة، ثم بيّن تعالى أنهم مع مزيد العز في الدنيا بهذه الوجوه ومع كثرة العدد والبسطة في المال والجسم جرى عليهم عند الكفر ما سمعتم وهذا المعنى يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الثعلبي:

{أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} يعني الأمم الماضية والقرن الجماعة من الناس وجمعه قرون، وقيل: القرن مدة من الزمان، يقال ثمانون سنة، ويقال: مائة سنة، ويكون معناه على هذا القول من أهل قرن {مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} يعني أعطيناهم ما لم نعطكم.
قال ابن عباس: أمهلناهم في العمر والأجسام والأولاد مثل قوم نوح وعاد وثمود، ويقال: مكنته ومكنت له فجاء [...] جميعًا {وَأَرْسَلْنَا السماء} يعني المطر {عَلَيْهِم مِّدْرَارًا}.
تقول العرب: مازلنا نطأ السماء حتى آتيناكم مدرارًا أي غزيرة كثيرة دائمة، وهي مفعال من الدر، مفعال من أسماء المبالغة، ويستوي فيه المذكر والمؤنث.
قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريا مزنة ** سعرًا تحلب وابلًا مدرارًا

وقوله: {مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} من خطاب التنوين كقوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22].
وقال أهل البصرة: أخبر عنهم بقوله: {أَلَمْ يَرَوْاْ} وفيهم محمد وأصحابه ثم خاطبهم، والعرب تقول: قلت لعبد اللّه ما أكرمه وقلت لعبد اللّه أكرمك {وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا} وخلقنا وابتدأنا {مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن}.
القرن: اسم أهل كل عصر.
وسمُّوا بذلك، لاقترانهم في الوجود، وللمفسرين في المراد بالقرن سبعة أقوال:
أحدها: أنه أربعون سنة، ذكره ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ثمانون سنة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: مائة سنة، قاله عبد الله بن بشر المازني، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
والرابع: مائة وعشرون سنة، قاله زُرارة بن أوفى، وإياس بن معاوية.
والخامس: عشرون سنة، حكاه الحسن البصري.
والسادس: سبعون سنة، ذكره الفراء.
والسابع: أن القرن: أهل كل مدة كان فيها نبيٌّ، أو طبقة من العلماء، قلَّتِ السِّنون، أو كثرت، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم قرني» يعني: أصحابي «ثم الذين يلونهم» يعني: التابعين «ثم الذين يلونهم» يعني: الذين أخذوا عن التابعين، فالقرن: مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان، فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم، واشتقاق القرن: من الاقتران.
وفي معنى ذلك الاقتران قولان:
أحدهما: أنه سمي قرنا، لأنه المقدار الذي هو أكثر ما يقترن فيه أهل ذلك الزمان في بقائهم، هذا اختيار الزجاج.
والثاني: أنه سمي قرنًا، لأنه يَقْرِنُ زمانًا بزمانٍ، وأُمَّةً بأمَّةٍ، قاله ابن الأنباري، وحكى ابن قتيبة عن أبي عبيدة قال: يرون أن أقل ما بين القرنين: ثلاثون سنة.
قوله تعالى: {مكناهم في الأرض} قال ابن عباس: أعطيناهم ما لم نُعطِكم.
يقال: مكَّنتُه ومكَّنتُ له: إذا أقدرته على الشيء باعطاء ما يصح به الفعل من العدة.
وفي هذه الآية رجوع من الخبر إلى الخطاب.
فأما السماء: فالمراد بها المطر.
ومعنى أرسلنا: أنزلنا.
والمدرار مفعال، من درَّ، يَدِرُّ والمعنى: نرسلها كثيرة الدَّرِّ.
ومِفعال: من أسماء المبالغة، كقولهم: امرأة مذكار: إذا كانت كثيرة الولادة للذكور، وكذلك مئناث.
فإن قيل: السماء مؤنَّثَة، فلم ذكَّر مدرارًا.
فالجواب: أن حكم ما انعدل من النعوت عن منهاج الفعل وبنائه، أن يلزم التذكير في كلِّ حال، سواء كان وصفًا لمذكر أو مؤنت؛ كقولهم: امرأة مذكار، ومعطار؛ وامرأة، مذكر، ومؤنث؛ وهي: كفور، وشكور ولو بُنيتْ هذه الأوصاف على الفعل، لقيل: كافرة، وشاكرة، ومُذْكِرَة؛ فلما عدل عن بناء الفعل، جرى مجرى ما يستغني بقيام معنى التأنيث فيه عن العلامة؛ كقولهم: النعلَ لبستُها، والفأسَ كسرتُها، وكان إيثارهم التذكير للفرق بين المبني على الفعل، والمعدول عن مِثْلِ الأفاعيل، والمراد بالمدرار: المبالغة.
في اتصال المطر ودوامه؛ يعني: أنها تَدِرُّ وقت الحاجة إليها، لا أنها تدوم ليلًا ونهارًا، فتفسد، ذكره ابن الأنباري. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}.
هذا حض على العبرة، والرؤية هنا رؤية القلب، و{كم} في موضع نصب ب {أهلكنا}، والقرن والأمة المقترنة في مدة من الزمان، ومنه قوله عليه السلام: خير الناس قرني الحديث، واختلف الناس في مدة القرن كم هي؟ فالأكثر على أنها مائة سنة، ويرجح ذلك الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» قال ابن عمر: يريد أنها تحرم ذلك القرن، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشير: تعيش قرنًا فعاش مائة سنة، وقيل: القرن ثمانون سنة، وقيل سبعون وقيل ستون، وتمسك هؤلاء بالمعترك وحكى النقاش أربعين وذكر الزهراوي في ذلك أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى النقاش أيضًا ثلاثين، وحكى عشرين، وحكى ثمانية عشر وهذا كله ضعيف، وهذه طبقات وليست بقرون إنما القرن أن يكون وفاة الأشياخ ثم ولادة الأطفال، ويظهر ذلك من قوله تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين} وإلى مراعاة الطبقات وانقراض الناس بها أشار ابن الماجشون في الواضحة في تجويز شهادة السماع في تقادم خمسة عشر عامًا فصاعدًا، وقيل القرن الزمن نفسه، وهو على حذف مضاف تقديره من أهل قرن، والضمير في {مكناهم} عائد على القرن، والمخاطبة في {لكم} في للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم من سائر الناس، فكأنه قال: ما لم نمكن يا أهل العصر لكم، فهذا أبين ما فيه، ويحتمل أن يقدر في الآية معنى القول لهؤلاء الكفرة، كأنه قال يا محمد قل لهم: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} وإذا أخبرت أنك قلت لغائب أو قيل له أو أمرت أن يقال ذلك في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها فتجيء بلفظ المخاطبة، ولك أن تأتي بالمعنى في الألفاظ بذكر غائب دون مخاطبة {السماء} المطر ومنه قول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا

و{مدرارًا} بناء تكثير كمذكار ومئناث، ومعناه يدر عليهم بحسب المنفعة، لأن الآية إنما سياقها تعديد النعم وإلا فظاهرها يحتمل النعمة ويحتمل الإهلاك وتحتمل الآية أن تراد السماء المعروفة على تقدير وأرسلنا مطر السماء لأن مدرارًا لا يوصف به إلا المطر، وقوله تعالى: {فأهلكناهم} معناه فعصوا وكفروا {فأهلكناهم}، {وأنشأنا} اخترعنا وخلقنا، وجمع {آخرين} حملًا على معنى القرن. اهـ.